فصل: المصاف الثاني بين بركيارق وأخيه محمد ومقتل مؤيد الملك والخطبة لبركيارق.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.مصاف بركيارق مع أخيه سنجر.

ولما انهزم السلطان بركيارق من أخيه محمد لحق بالري واستدعى شيعته وأنصاره من الأمراء فلحقوا به ثم ساروا إلى أسفراين وكاتب الأمير داود حبشر بن التونطاق يستدعيه وهو صاحب خراسان وطبرستان ومنزله بالدامغان فأشار عليه باللحاق بنيسابور حتى يأتيه فدخل نيسابور وقبض على رؤسائها ثم أطلقهم وأساء التصرف ثم أعاد الكتاب إلى داود حبشي بالاستدعاء فاعتذر بأن السلطان سنجر زحف إليه في عساكر بلخ ثم سأل منه المدد فسار بركيارق إليه في ألف فارس وهو في عشرين ألفا والتقوا بسنجر عند النوشجان وفي ميمنة سنجر الأمير برغش وفي ميسرته كوكر ومعه في القلب رستم فحمل بركيارق على رستم فقتله وانهزم أصحابه ونهب عسكرهم وكادت الهزيمة تتم عليهم ثم حمل برغش وكوكر على عسكر بركيارق وهم مشتغلون بالنهب فانهزموا وانهزم بركيارق وجاء بعض التركمان بالأمير داود حبشي أسيرا إلى برغش فقتله ولحق بركيارق بجرجان ثم بالدامغان وقطع البرية إلى أصبهان بمراسلة أهلها فسبقه أخوه محمد إليها فعاد أسيرهم انتهى.

.عزل الوزير عميد الدولة بن جهير ووفاته.

لقد ذكرنا أن وزير السلطان بركيارق وهو الأغر أبو المحاسن أسر في المصاف الأول بين بركيارق ومحمد وأن مؤيد الملك بن نظام الملك وزير محمد أطلقه واصطنعه وضمنه عمارة بغداد وحمله طلب الخطبة لمحمد ببغداد من المستظهر فخطب له وكان فيما حمله للمستظهر عزل وزيره عميد الدولة بن جهير وبلغ ذلك عميد الدولة فأرسل من يعترض الأغر ويقتله فامتنع بعقر باب ثم صالحه ذلك الذي اعترضه وطلب لقاءه فلقيه ودس الأغر إلى أبي الغازي بن أرتق وكان وصل معه وسبقه إلى بغداد فرجع إليه ليلا ويئس منه ذلك الذي اعترضه ووصل الأغر بغداد وبلغ إلى المستظهر رسالة مؤيد الدولة في عزل عميد الدولة فقبض عليه في رمضان من سنة ثلاث وتسعين وعلى إخوته وصودر على خمسة وعشرين ألف دينار وبقي محبوسا بدار الخلافة إلى أن هلك في محبسه.

.المصاف الثاني بين بركيارق وأخيه محمد ومقتل مؤيد الملك والخطبة لبركيارق.

قد ذكرنا أن بركيارق لما انهزم أمام أخيه محمد في المصاف الأول سار إلى أصبهان ولم يدخلها فمضى إلى عسكر مكرم إلى خوزستان وجاءه الأميران زنكي وألبكي ابنا برسق ثم سار إلى همذان فكاتبه أياز من كبار أمراء محمد بما كان استوحش منه فجاءه في خمسة آلاف فارس وأغراه باللقاء فارتحل لذلك ثم استأمن إليه سرخاب ابن كنخسرو صاحب آوة فاجتمع له خمسون ألفا من المقاتلة وبقي أخوه في خمسة عشر ألفا ثم اقتتلوا أول جمادى الآخرة سنة أربع وتسعين وأصحاب محمد يغدون على محمد شيئا فشيئا مستأمنين ثم انهزم آخر النهار وأسر وزيره مؤيد الملك وأحضره عند بركيارق غلام لمجد الملك البارسلاني ثار منه مولاه فلما حضر وبخه بركيارق وقتله وبعث الوزير أبو المحاسن من يسلم إليه أمواله وصادر عليها قرابته في بغداد وفي غير بغداد من بلاد العجم ويقال كان فيما أخذ له قطعة من البلخش زنة إحدى وأربعين مثقالا ثم سار بركيارق إلى الري ولقيه هناك كربوقا صاحب الموصل ونور الدولة دبيس بن صدقة بن مزيد واجتمعت إليه نحو من مائة ألف فارس حتى ضاقت بهم البلاد ففرق العساكر وعاد دبيس إلى أبيه وسار كربوقا إلى أذربيجان لقتال مودود بن إسمعيل بن ياقوتا كان خرج على السلطان هنالك وسار أياز إلى همذان ليقضي الصوم عند أهله ويعود فبقي بركيارق في خف من الجنود وكان محمد أخوه لما انهزم لجهات همذان سار إلى شقيقه بخراسان فانتهى إلى جرجان وبعث يطلب منه المدد فأمده بالمال أولا ثم سار إليه بنفسه إلى جرجان وسار معه إلى الدامغان وخرب عسكر خراسان ما مروا به من البلاد وانتهوا إلى الري واجتمعت إليهم النظامية وبلغهم افتراق العساكر عن بركيارق فأغذوا إليه السير فرحل إلى همذان فبلغه أن أياز راسل محمدا فقصد خوزستان وانتهى إلى تستر واستدعى بني برسق فقعدوا عنه لما بلغهم مراسلة أياز للسلطان فسار بركيارق نحو العراق وكان أياز راسل محمدا في الكون معه فلم يقبله فسار من همذان ولحق بركيارق إلى حلوان وسارو جميعا إلى بغداد واستولى محمد على مخلف أياز بهمذان وحلوان وكان شيئا مما لا يعبر عنه وصادر جماعة من أصحاب أياز من أهل همذان ووصل بركيارق إلى بغداد منتصف ذي القعدة سنة أربع وتسعين وبعث المستظهر لتلقيه أمين الدولة بن موصلايا في المراكب وكان بركيارق مريضا فلزم بيته وبعث المستظهر في عيد الأضحى إلى داره منبرا خطب عليه باسمه وتخلف بركيارق عن شهود العيد لمرضه وضاقت عليه الأموال فطلب الإعانة من المستظهر وحمل إليه خمسين ألف دينار بعد المراجعات ومد يده إلى أموال الناس وصادرهم فضجوا وارتكب خطيئة شنعاء في قاضي جبلة وهو أبو محمد عبد الله بن منصور وكان من خبره أن أباه منصورا كان قاضيا بجبلة في ملكة الروم فلما ملكها المسلمون وصارت في يد أبي الحسن علي بن عمار صاحب طرابلس أقره على القضاء بها وتوفي فقام ابنه أبو محمد هذا مقامه ولبس شعار الجندية وكان شهما فهم ابن عمار بالقبض عليه وشعر فانتقض وخطب للخلفاء العباسية وكان ابن عمار يخطب للعلوية بمصر وطالت منازلة الفرنج بحصن جبلة إلى أن ضجر أبو محمد هذا وبعث إلى صاحب دمشق وهو يومئذ طغتكين الأتابك أن يسلم إليه البلد فبعث ابنه تاج الملوك موري وتسلم منه البلد وجاء به إلى دمشق وبذل لهم فيه ابن عمار ثلاثين ألف دينار دون أمواله فلم يرضوا بإخفار ذمتهم وسار عنهم إلى بغداد ولقي بها بركيارق فأحضره الوزير أبو المحاسن وطلبه في ثلاثين ألف دينار فأجاب وأحالهم على منزلة بالأنبار فبعث الوزير من أتاه بجميع ما فيه وكان لا يعبر فكانت من المنكرات التي أتاها بركيارق ثم بعث الوزير إلى صدقة بن منصور بن دبيس بن مزيد صاحب حلب يطلب منه ألف ألف دينار متخلفة من مال الجباية وتهدده عليها فغضب وانتقض وخطب لمحمد وبعث إليه بركيارق الأمير أياز يستقدمه فلم يجب وبعث إلى الكوفة وطرد عنها نائب بركيارق واستضافها إليه.